الجمعة

السعوديون ووأد العبقرية


إن وطنا يملك قدراً عالياً من العبقرية التي تركزت في عقول أفراد قليلين من أبنائه، ثم لا يعطي هؤلاء النوادر حقهم المشروع في البروز والتعبير والإبداع، بحجة مخالفتهم للمرغوب أو المألوف أو المسموح به، لهو وطن يحتاج إلى إعادة قراءة منهج بناء القدرات الإنسانية عاجلا، قبل أن يهبط إلى أسفل درجات الحضيض والانحطاط.

يعتصر الألمُ قلبَ كل غيورٍ منصف وهو يشاهد -على سبيل المثال- كثيرا من الكتاب المبدعين في مجتمعنا يكتبون خلف أسماء مستعارة، بل ويكتب بعضهم باسمه الصريح، ولكنه رغم ذلك لا يستطيع نشر ما يريد في وسائل الإعلام المحلية؛ لأن ما يطرحه يتجاوز سقف حرية الرأي في بلادنا.

 قرأتُ لبعض الكتاب من الفئتين مقالات رائعة لا يستهان بها أبداً، سواء ما نُشر منها في المنتديات الحوارية على الشبكة العنكبوتية، أو ما نُشر منها عن طريق وسائل إعلام رسمية خارجية للأسف الشديد.

وأزعم واثقا أن فيهم الكثير من الأذكياء والفصحاء والبلغاء والمبدعين، بل وفيهم -دون مبالغة- بعض العباقرة والنوابغ الذين يحملون فكرا جميلا يتجلى في طرحهم المميز الذي يفوق كثيرا من الغثاء الذي يُطرح أحيانا في بعض منابرنا الإعلامية المتعددة.

المتخفون خائفون من السياط الجاهزة لجلدهم، وأقصد بها سياط التطرف الديني من جهة، وسياط العادات والتقاليد الأسرية والاجتماعية البالية من جهة أخرى. والمصرحون بأسمائهم الحقيقية عاجزون –رغم شجاعتهم- عن الوصول إلى الصحف والمجلات والإذاعات والقنوات التلفزيونية وغيرها؛ لمخالفة توجهاتهم أو بعض أفكارهم لما يريده الوصي والرقيب.

إن النفس لتشتعل حسرةً وحزنا وهي ترى فئاما من عباقرة الوطن ومميزيه يلجؤون إلى صحف أو مجلات أو دور نشر أو معارض أو قنوات تلفزيونية أو دور عرض خارجية، لنشر نتاجهم الفكري أو عرض إبداعهم الفني، سواء كان ذلك النتاج مقالات أو كتبا أو أفلاما أو مسلسلات أو رسوما أو شعرا أو غير ذلك مما مُنع من النشر أو العرض في بلادهم.
     
أليس جحا أولى بلحم ثوره يا سادة؟ فلماذا تستمر الوصاية الفكرية إذن، ولماذا يُغتال النبوغ وتُحارب العبقرية بالرقابة المتكلَّفة التي لم تعد تجدي نفعا في ظل هذه الثورة الالكترونية الهائلة التي جعلت وصول المنتَج الفكري –بغض النظر عن كنهه وجوهره وقيمته- للمتلقي أسهل من شرب كأس ماء.

استبشرنا خيرا بالخطوات المدروسة والنتائج الملموسة التي تسير عليها وحققتها وزارة إعلامنا في الفترة الأخيرة، ولكننا ما زلنا نطمح ونطمع في المزيد، فارفعوا سقف الحرية –ولو قليلا- يا من بيدهم رفعه، فهناك كثير من العقول المتوقدة التي يحمل أصحابها مواهب تستحق التقدير وإتاحة الفرصة، وهم بحاجة ماسة لمن يتبناهم بصقل تلك المواهب وبلورة أفكارها حتى وإن خالفت السائد والمألوف، أو كسرت أغلال المتعارف عليه أو  بعض المتوارث في بعض الأحيان.

ولنا في خادم الحرمين الشريفين أجمل قدوة وأعظم أسوة ومثال؛ فقد فتح أبواب حرية الرأي على مصراعيها بتبنيه -حفظه الله- لفكرة حوار الأديان والحضارات التي أقام لها المراكز والمؤتمرات والمناشط الكثيرة المتعددة، ولا شك أن السماح بالحرية القصوى في التعبير عما دون حوار العقائد والأديان من باب أولى.  

كم هو مؤلم لمن يملك فكرا أن لا يستطيع طرحه وشرحه والبوح والصدح به في وطنه..
لمثل هذا يذوب القلب من كمدٍ
إن كان في القلب إنصافٌ وإحسانُ

ليست هناك تعليقات: