السبت

القصيميُّ شاعراً

3-10-2011 | جريدة البلاد

لا أعتقد أن سعودياً لا يعرف عبدالله القصيمي، بل وأعتقد أن غالب العرب وكثيراً من غيرهم يعرفه أيضاً، فالراحل قامة فكرية شامخة، وليس بحاجة لثنائي على عقليته الفذة التي ملأت أدراج المكتبات بمؤلفاتٍ مازال الخلق يسهرون جرّاها ويختصمون.

ما يهمني اليوم هو تسليط الضوء على جانب خفي قد لا يعرفه الكثير من محبيه، وهو أن القصيمي كان شاعراً متمكناً من أدواته بشكل لا يقل عن تمكنه من الكتابة نثراً، ومن أمثلة تلك الشاعرية المتوقدة قوله مفتخراً بنفسه –على الوافر- في مقدمة كتابه "شيوخ الأزهر":

إذا أنزلت بأسي في قبيلٍ.. فويلٌ للأبين وللبنينا.. أغرّ مخاصمي صغري وهزلي.. كأنَّ المجدَ في عد السنينا.. وهزلي لا أبا لك من شعوري.. وجسم الحر لا يأتي سمينا.. ومن أغبى وأغبن من عظيمٍ.. تعرض سخطتي فغدا مهينا.. ومن هاج الهزبر فليس بدعاً.. إذا يلقى بهيجته المنونا.

ومن شعره الجميل قصيدة نشرها سفيرٌ يمني كان يحتفظ بها مكتوبة بخط أبي علي، وقد جاءت على تفعيلة الرمل (فاعلاتن) وموضوعها (لبنان) التي عاش فيها شاعرنا وأحبها بعد طرده من مصر، وقد تطرق فيها لبعض الأحداث السياسية في ذلك الوقت، والأبيات طويلة اختصرتها ورتبتها فجاءت هكذا:

كنت يا لبنان زهراً.. في عباءات العروبة.. كنت يا لبنان فجراً.. في دياجير العروبة.. كنت عطراً فوق أوحال العروبة.. كنت جسراً فوق صحراء العروبة.. كنت شعراً لم تؤلفه العروبة.. كنت يا لبنان ضوءاً.. راع فئران العروبة.. كنت يا لبنان غيظاً.. لقيادات العروبة.

غاظهم فيك انتصارٌ.. قاهر كبر الزعامة.. هم أرادوك بداوة.. هم أرادوك عباءة.. لم يطيقوك حضارة.. لم يطيقوك كرامة.. هم أرادوك نذالة.. لم يطيقوك سحابة.. هم أرادوك ذبابة.. كانت القصة صعبة.. كانت الضربة ضربة.. كانت الخطة هجمة.. واضعوها همجٌ.. نفذوها بشراسة.. رفضوه أمةً.. وأرادوه عصابة.. رفضوه زهرةً.. وأرادوه قمامة.. راعهم منتصراً.. فأرادوه هزيمة.. راعهم مزدهراً.. فأحالوه حريقة.. عاقبوه حسداً.. لمزاياه الأنيقة.. لم يطيقوه جمالاً.. وأرادوه دمامة.. لم يطيقوه انفتاحاً.. واهباً للحب بابه.. بل أرادوه انغلاقاً.. وأرادوه عداوة.. لم يريدوه رخاءً.. بل أرادوه تعاسة.. بل أرادوه حماقة.. بل أرادوه بشاعة.. آهِ من عارٍ بقومي.. إنهم للعار قادة.. آهِ من سادات قومي.. إنهم مجد الجهالة.. آهِ من أمجاد قومي.. إنها أغبى رواية.. آهِ يا تاريخ قومي.. أنت عار للرواة.. أنت عار للرواية !

وله قصيدة تتجاوز الخمسين بيتاً -على البسيط- في مدح الملك عبدالعزيز، ومطلعها قوله: وقفتُ بالدار أُمري الدمع والجزعا.. على طلولِ أُهيلٍ جُرِّعـوا الضَّبعا، إلى أن يقول: قامت به دولة العلياء واتّحدتْ.. مـن بعدما لبست من ذلةٍ خِلَعا.. سهلٌ إذا جئتَه للحقِّ مطّلبًا.. صعبٌ إذا جئته للظلـم مطّبعا.. غيثٌ إذا جئته طلاَّب نائلةٍ.. صرٌّ إذا جئته للجور متّبعا.. ومن يكن صاحبًا نفسًا معظَّمةً.. يلقَ المتاعبَ في دنياه والوجعا.

ليست هناك تعليقات: